Senin, 19 Juli 2021

تفسير صوفى(TAFSIR SUFI)

 

 

مقدمة

أ‌.           خلفية البحث

والتصوف بهذا المعنى موجود منذ الصدر الأول للإسلام، فكثير من الصحابة كانوا معرضين عن الدنيا ومتاعها، آخذين أنفسهم بالزهد والتقشف، مبالغين فى العبادة، فكان منهم مَن يقوم الليل ويصوم النهار، ومنهم مَن يشد الحجر على بطنه تربية لنفسه وتهذيباً لروحه، غير أنهم لم يُعرفوا فى زمنهم باسم الصوفية، وإنما اشتهر بهذا اللقب فيما بعد مَن عُرفوا بالزهد والتفانى فى طاعة الله تعالى. وكان له أثره فى تفسير القرآن الكريم

وبعد , فاهم ما يشتغل به العاقل اللبيب في هذا الزمان الصعب خاصة طالب في قسم التفسير والحديث ان يسعى فيما ينقذ به نفسه من الخطاء الظاهر في ادراك العلم والايمان اليقيني. وطريقه تفقه المريد بالعلم الديني. و نعلم العلوم الدينية لتكلفنا بها ونحصص علوم القرآن في منهج المفسرين لاهتمامه وكثير فوائده  ثم نكتب هذه الرسالة التزاما بداليل ما ذكر.

 

ب‌.     أسئلة البحث

1.                ما تفسير صوفى نظرى؟

2.                ما تفسير صوفى فيضى أو إشارى  ؟

3.                ما تفسير صوفي حرفي ؟

 

ت‌.     مقصود البحث

1.                ليعرف تفسير صوفى نظرى.

2.                ليعرف تفسير صوفى فيضى أو إشارى  .

3.                ليعرف تفسير صوفي حرفي.

 البحث

وينبغي قبل ان نبدئ بهذا المحتصر الذي يبحث فيه مصادر تفسير القرآن في عهد النبى صلى الله عليه وسلم و منهج التفسير فى عصر الصحابة ان نذكر علي أن الدكتور حسين الذهبي قد قسم التفسير الصوفي إلى قسمين بقوله: التصوف ينقسم إلى قسمين أساسيين:تصوف نظرى: وهو التصوف الذى يقوم على البحث والدراسة. وتصوف عملى: وهو التصوف الذى يقوم على التقشف والزهد والتفانى فى طاعة الله. وكل من القسمين كان له أثره فى تفسير القرآن الكريم، مما جعل التفسير الصوفى ينقسم أيضاً إلى قسمين: تفسير صوفى نظرى، وتفسير صوفى فيضى أو إشارى ... وسنتكلم على كل قسم منهما بما يفتح الله به ويوفق إليه:".. [1]

وزاد بعض العلماء ثالثا وهو التفسير الصوفي الحرفي : وهو استعمال الحروف وأسرارها التي هي من وحي الشياطين في تفسير كتاب الله تعالى ، وتفسير ابن برجان من هذا النوع ، وأما النوع الأول فسوف نتعرض له في تفسير ابن عربي ، والنوع الثاني سوف نتعرض له في تفسير ابن عجيبة ، نسأل الله السلامة .[2]

أ‌.           تفسير تفسير صوفى نظرى

إذا أريد بالتصوف السلوك التعبدي المشروع الذي تصفو به النفس، وترغب عن زينة الدنيا بالزهد والتقشف, والعبادة.. فذلك أمر لا غبار عليه إن لم يكن مرغوبًا فيه. ولكن التصوف أصبح فلسفة نظرية خاصة لا صلة لها بالورع والتقوى والتقشف، واشتملت فلسفته على أفكار تتنافى مع الإسلام وعقيدته. وهذا هو الذي نعنيه هنا، وهو الذي كان له أثره في تفسير القرآن.[3]

1.           التعريف:

التفسير الصوفي النظري : وهو مابني على مباحث نظرية وتعاليم فلسفية وهو يقوم على مذهب وحدة الوجود . الصوفي النظري : هو تفسير يخرج بالقرآن في الغالب عن هدفه الذي يرمي إليه.

2.           شيخ هذه الطريقة وكتبها:

شيخ هذه الطريقة الأستاذ الأكبر محيى الدين بن عربى شيخ هذه الطريقة فى التفسير، إذ أنه أظهر مَن خَبَّ فيها ووضع، وأكثر أصحابه معالجة للقرآن على طريقة التصوف النظرى، وإن كان له من التفسير الإشارى ما يجعله فى عداد المفسِّرين الإشاريين إن لم يكن شيخهم أيضاً

وفى الكتب التى تُنسب إليه على الحقيقة كالفتوحات المكية، والفصوص الحكم، فنراه يطبق كثيراً من الآيات القرآنية على نظرياته الصوفية الفلسفية.

3.           منهج هذه الطريقة وأرئها:

أ‌.       نظرية وحدة الوجود

وابن عربى يتأثر فى تفسيره للقرآن بنظرية وحدة الوجود، التى هى أهم النظريات التى بنى عليها تصوفه، فنراه فى كثير من الأحيان يشرح الآيات على وفق هذه النظرية، حتى إنه ليخرج بالآية عن مدلولها الذى أراده الله تعالى.

ووحدة الوجود - عندهم - معناها أنه ليس هناك إلا وجود واحد كل العالَم مظاهر ومجال له، فالله سبحانه هو الموجود الحق، وكل ما عداه ظواهر وأوهام، ولا توصف بالوجود إلا بضرب من التوسع والمجاز،

هذا المذهب الذى خَوَّل لمثل الحلاج أن يقول: أنا الله، ولمثل ابن عربى أن يقول: إن عجل بنى إسرائيل أحد المظاهر التى اتخذها الله وحَلَّ فيها، والذى جرَّه فيما بعد إلى القول بوحدة الأديان لا فرق بين سماوى وغير سماوى، إذ الكل يعبدون الإله الواحد المتجلى فى صورهم وصور جميع المعبودات.[4]

وأصرح من هذا أنه لما عرض لقوله تعالى فى الآية [163] من سورة البقرة: {وَالهكُمْ اله وَاحِدٌ} .. قال: "إن الله تعالى خاطب فى هذه الآية المسلمين، والذين عبدوا غير الله قُربة إلى الله، فما عبدوا إلا الله، فلما قالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى?} فأكدوا ذكر العِلَّة، فقال الله لنا: إن إلهكم والإله الذى يطلب المشرك القُربة إليه بعبادة هذا الذى أشرك به واحد، كأنكم ما اختلفتم فى أحديته .. فقال: {وَالهكُمْ} فجمعنا وإياهم إله واحد، فما أشركوا إلا بسببه فيما أعطاهم نظرهم. ومَن قصد من أجل أمر ما فذلك الأمر على الحقيقة هو المقصود لا مَن ظهر أنه قصد، كما يقال: مَن صحبك لأمر أو أحبك لأمر ولَّى بانقضائه، ولهذا ذكر الله أنهم يتبرأون منهم يوم القيامة. وما أُخِذوا إلا من كونهم فعلوا ذلك من نفوسهم، لا أنهم جهلوا قدر الله فى ذلك، ألا ترى الحق لما علم هذا منهم كيف قال: {وَالهكُمْ اله وَاحِدٌ}؟ ونبههم فقال: {قُلْ سَمُّوهُمْ} فيذكرونهم بأسمائهم المخالفة أسماء الله، ثم وصفهم بأنهم فى شركهم قد ضلُّوا ضلالاً بعيداً، أو مبيناً، لأنهم أوقعوا أنفسهم فى الحيرة، لكونهم عبدوا ما نحتوا بأيديهم، وعلموا أنه لا يسمع ولا يبصر ولا يُغنى عنهم عن الله شيئاً، فهى شهادة من الله بقصور نظرهم وعقولهم. ثم أخبرنا الله أنه قضى ألا نعبد إلا إياه بما نسبوه من الأُلوهية لهم أى جعلوهم كالنوَّاب لله والوزراء, كأن الله استخلفهم، ومن عادة الخليفة أن يكون فى رتبة مَن استخلفه عند المستخْلَف عليه، فلهذا نسبوا الأُلوهية لهم ابتداءً من غير نظر فيمن جعل ذلك. وقول مَن قال: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ الهاً وَاحِداً}، إنما كان من أجل اعتقادهم فيما عبدوه أنهم آلهة دون الله المشهود له عندهم بالعظمة على الجميع، فأشبه هذا القول ما ثبت فى الشرع الصحيح من اختلاف الصور فى التجلِّى، ومعلوم عند مَن يشاهد ذلك أن الصورة ما هى هذه الصورة، وكل صورة لا بد أن يقول المشاهد له: إنها الله. لكن لما كان هذا من عند الله، وذلك الآخر من عندهم أنكر عليهم التحكم فى ذلك، كما ثبت فى قوله تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} .. هذا حقيقة، فوجه الله موجود فى كل جهة يتولَّى أحد إليها، ومع هذا لو تولَّى الإنسان فى صلاته إلى غير الكعبة مع عمله بجهة الكعبة لم تُقبل صلاته، لأنه ما شُرع له إلا استقبال هذا البيت الخاص بهذه العبادة الخاصة، فإذا تولَّى فى غير هذه العبادة التى لا تصح إلا بتعيين هذه الجهة الخاصة، فإن الله يقبل ذلك التولِّى، كما أنه لو اعتقد أن كل جهة يتولًَّى إليها ما فيها وجه الله لكان كافراً وجاهلاً، ومع هذا فلا يجوز له أن يتعدى بالأعمال حيث شرعها الله، ولهذا اختلفت الشرائع، فما كان محرَّماً فى شرع ما، حللَّه الله فى شرع آخر، ونسخ ذلك الحكم الأول فى ذلك المحكوم عليه بحكم آخر فى عَيْن ذلك المحكوم عليه، قال الله تعالى:{لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً}، فما نسخ من شرع واتبعه مَن اتبعضه بعد نسخه فذلك المسمى هوى النفس الذى قال الله فيه لخليفته داود: {إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} يعنى الحق الذى أنزلته إليك، {وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى} وهو ما خالف شرعك، {فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} وهو ما شرعه الله لك على الخصوص. فإذا علمت هذا وتقرر لديك، علمت أن الله إله واحد فى كل شرع عيناً، وكثير صورة وكوناً، فإن الأدلة العقلية تُكّثِّره باختلافها فيه، وكلها حق ومدلولها صدق، والتجلِّى فى الصورة كثرة أيضاً لاختلافها. والعين واحدة، فإذا كان الأمر هكذا فما تصنع؟ أو كيف يصح لى أن أُخَطِّئ قائلاً؟ ولهذا لا يصح الخطأ من أحد فيه، وإنما الخطأ فى إثبات الغير وهو القول بالشريك، فهذا القول بالعدم، لأن الشريك ليس ثَمَّ، وذلك لا يغفره الله، لأن الغفر الستر، ولا يُستر إلا مَن له وجود، والشريك عدم يُستر .. فهى كلمة تحقيق، {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ}، لأنه لا يجده. فلو وجده لصح وكان للمغفرة عَيْن تتعلق بها، وما فى الوجود مَن يقبل الأضداد إلا العالَم من حيث ما هو واحد، وفى هذا الواحد ظهرت الأضداد، وما هى إلا أحكام عَيْن الممكنات فى عَيْن الوجود التى بظهورها عُلِمت الأسماء الإلهية المتضادة وأمثالها".

فمثلاً عندما تعرَّض لقوله تعالى فى أول سورة النساء: {ياأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} ... الآية، نجده يقول: {اتَّقُواْ رَبَّكُمُ} اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، واجعلوا ما بطن منكم - وهو ربكم - وقاية لكم، فإن الأمر ذم وحمد، فكونوا وقايته فى الذم، واجعلوه وقايتكم فى الحمد تكونوا أدباء عالمين".

وفى تفسيره لقوله تعالى فى الآيتين [29 - 30] من سورة الفجر: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} .. يقول: {وَادْخُلِي جَنَّتِي} التى هى سترى، وليست جنتى سواك، فأنت تسترنى بذاتك الإنسانية فلا أُعرف إلا بك، كما أنك لا تكون إلا بى، فمَن عرفك عرفنى، وأنا لا أُعرف فأنت لا تُعرف، فإذا دخلت جنته دخلت نفسك، فتعرف نفسك معرفة أُخرى، غير المعرفة التى عرفتها حين عرفتَ ربك بمعرفتك إياها، فتكون صاحب معرفتين: معرفة به من حيث أنت، ومعرفة به من حيث أنت، ومعرفة به بك من حيث هو لا من حيث أنت، فأنت عبد رأيتَ رباً، وأنت رب لمن له فيه أنت عبد، وأنت رب وأنت عبد لمن له فى الخطاب عهد" ... إلخ..[5]

ب‌.  قياسه الغائب على الشاهد

كذلك نجد ابن عربى يفهم بعض النصوص القرآنية فهماً خيالياً منتزعاً من المشاهد المحسوس، فمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى أول سروة الرحمن: {الرَّحْمَانُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ البَيَانَ * الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ *وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ * وَالسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُواْ الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُواْ الْمِيزَانَ}. يقول ما نصه: {الرَّحْمَانُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ} على أي قلب نزل، {خَلَقَ الإِنسَانَ} فعيَّن له الصنف المنزَّل عليه، {عَلَّمَهُ البَيَانَ} أى نزَّل له البيان، فأبان عن المراد الذى فى الغيب، {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} ميزان حركات الأفلاك، {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} لهذا الميزان، أى من أجل هذا الميزان، فمنه ذو ساق وهو الشجر، ومنه ما لا طاق له وهو النجم، فاختلفت السجدتان، {وَالسَّمَآءَ رَفَعَهَا} وهى قبة الميزان، {وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} ليزن به الثقلان، {أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي الْمِيزَانِ} بالإفراط والتفريط من أجل الخسران، {وَأَقِيمُواْ الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ} مثل اعتدال نشأة الإنسان، إذ الإنسان لسان الميزان، {وَلاَ تُخْسِرُواْ الْمِيزَانَ} أى لا تفرطوا بترجيح إحدى الكفتين إلا بالفضل. وقال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ} .. فاعلم أنه، ما من صنعة ولا مرتبة ولا حال ولا مقام إلا والوزن حاكم عليه علماً وعملاً، فللمعانى ميزان بيد العقل يُسمى المنطق، يحتوى على كفَّتين تُسمى المقدمتين، وللكلام ميزان يُسمى النحو يُوزن به الألفاظ لتحقيق المعانى التى تدل عليه ألفاظ ذلك اللِّسان، ولكل ذى لسان ميزان وهو المقدار المعلوم الذى قرنه الله بإنزال الأرزاق فقال: {وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ}، {وَلَاكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ} .. وقد خلق جسد الإنسان على صورة الميزان، وجعل كفَّتيه: يمينه وشماله، قائمة ذاته. فهو لأى جانب مال، وقرن الله السعادة باليمين، وقرن الشقاء بالشمال، وجعل الميزان الذى يوزن بالأعمال على شكل القَبَّان، ولها وُصِفَ بالثقل والخفة، ليجمع بين الميزان العددى وهو قوله تعالى: {بِحُسْبَانٍ}، وبين ما يوزن بالرطل، وذلك لا يكون إلا فى القَبَّان، فلذلك لم يعيّن الكفَّتين، بل قال: {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} فى حق السعداء، {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} فى حق الأشقياء، ولو كان ميزان الكفتين لقال: وأما مَن ثقلت كفَّة حسناته فهو كذا، وأما مَن ثقلت كفَّة سيئاته فهو كذا. وإنما جعل ميزان الثقل هو عَيْن ميزان الخفة كصورة القَبَّان، ولو كان ذا كفَّتين لوصف كفَّة السيئات بالثقل أيضاً إذا رجحت على الحسنات، وما وصفها قط إلا بالخفة فعرفنا أن الميزان على شكل القَبَّان .."[6].

أما التفسير الذى يُبنى على قياس الغائب على الشاهد كتفسير ابن عربى لحقيقة الميزان الذى تُوزن به الأعمال يوم القيامة، فهذا أيضاً ضرب من التخمين، والتخمين لا يجوز أن يدخل فى فهم الأشياء التى لا يُتوصل إلى حقيقتها إلا من طريق السمع عن المعصوم صلى الله عليه وسلم.

ت‌.  إخضاعه قواعد النحو لنظراته الصوفية

وكذلك يخضع ابن عربى التفسير الصوفى النظرى إلى القواعد النحوية، أحياناً، ولكنه خضوع يكيفه الصوفى على حسب ما يرضى روحه ويوافق ذوقه، فنجد ابن عربى مثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [30] من سورة الحج: {وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ} .. يقول: "وقوله: {عِندَ رَبِّهِ} العامل فى هذا الظرف فى طريقنا قوله: {وَمَن يُعَظِّمْ}، أي مَن يعظمها عند ربه، أى فى ذلك الموطن، فلتبحث فى المواطن التى تكون فيها عند ربك ما هى؟ .. كالصلاة مثلاً، فإن المُصَلِّى يناجى ربه، فإذا عظَّم حُرمة الله فى هذا الموطن كان خيراً له .. والمؤمن إذا نام على طهارة فروحه عند ربه، فيُعَظِّم هناك حُرمة الله، فيكون الخير الذى له فى مثل هذا الموطن المبشرة التى تحصل له فى نومه أو يراها له غيره. والمواطن التى يكون العبد فيها عند ربه كثيرة فيُعَظِّم فيها حُرمات الله على الشهود".[7]

وأما التفسير الذى يبُنى على قواعد نحوية أو بلاغية، فهذا إن ساعده السياق والسباق قُبِل، وإلا أعرضنا عنه، وأخذنا بما يصححه النظر ويقويه الدليل.

ث‌.     تفسير صوفى فيضى أو إشارى

1.           التعريف:

التفسير الصوفي الفيضي أو الإشاري : وهو تأويل لآيات القرآن على خلاف الظاهر بمقتضى إشارات خفية تظهر لمن يطلق عليهم أرباب السلوك ، ويفترض فيه إمكانية التطبيق بينه وبين الظواهر المرادة .[8]

التفسير الصوفي الفيضي أو الإشاري : هو تأويل القرآن بغير ظاهره لإشارة خفية تظهر لأرباب السلوك والتصوف ويمكن الجمع بينها وبين الظاهر والمراد أيضا

الفرق بين تفسير الصوفية المسمى بالتفسير الإشاري وبين تفسير الباطنية الملاحدة فالصوفية لا يمنعون إرادة الظاهر بل يحضون عليه ويقولون لا بد منه أولا إذ من ادعى فهم أسرار القرآن ولم يحكم الظاهر كمن ادعى بلوغ سطح البيت قبل أن يجاوز الباب.وأما الباطنية فإنهم يقولون: إن الظاهر غير مراد أصلا وإنما المراد الباطن وقصدهم نفي الشريعة..[9]

ونقل السيوطي في الإتقان عن ابن عطاء الله في لطائف المنن ما نصه اعلم أن تفسير هذه الطائفة لكلام الله وكلام رسوله بالمعاني الغريبة ليس إحالة للظاهر عن ظاهره ولكن ظاهر الآية مفهوم منه ما جاءت الآية له ودلت عليه في عرف اللسان ولهم أفهام باطنة تفهم عند الآية والحديث لمن فتح الله قلبه وقد جاء في الحديث لكل آية ظهر وبطن فلا يصدنك عن تلقي هذه المعاني منهم أن يقول لك ذو جدل ومعارضة هذا إحالة لكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم فليس ذلك بإحالة وإنما يكون إحالة لو قالوا لا معنى للآية إلا هذا وهم يقولون ذلك بل يقررون الظواهر على ظواهرها مرادا بها موضوعاتها ويفهمون عن الله ما ألهمهم اهـ.[10]

لعل من المناسب هنا أن نسوق إليك عبارة عن السيوطي في بيان معنى ظهر الآية وبطنها وحد الحرف ومطلع الحد قال نور الله ضريحة فإن قلت فقد قال الفريابي حدثنا سفيان عن يونس بن عبيد عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل آية ظهر وبطن ولكل حرف حد ولكل حد مطلع قلت أما الظهر والبطن ففي معناه أوجه:

أحدها أنك إذا بحثت عن باطنها وقسته على ظاهرها وقفت على معناها.

الثاني أنه ما من آية إلا عمل بها قوم ولها قوم سيعلمون بها كما قال ابن مسعود.

الثالث أن ظاهرها لفظها وباطنها تأويلها.

الرابع قال أبو عبيدة وهو أشبهها بالصواب إن القصص التي قصها الله تعالى عن الأمم الماضية وما عاقبهم به ظاهرها الإخبار بهلاك الأولين وحديث حدث به عن قوم وباطنها وعظ الآخرين وتحذيرهم أن يفعلوا كفعلهم فيحل بهم مثل ما حل بهم.

وحكى ابن النقيب قولا خامسا أن ظهرها ما ظهر من معانيها لأهل العلم بالظاهر وبطنها ما تضمنته من الأسرار التي أطلع الله عليها أرباب الحقائق.ومعنى قوله ولكل حرف حد أي منتهى فيما أراد الله من معناه وقيل لكل حكم مقدار من الثواب والعقاب.ومعنى قوله ولكل حد مطلع لكل غاية من المعاني والأحكام مطلع يتوصل به إلى معرفته ويوقف على المراد به وقيل كل ما يستحق من الثواب والعقاب يطلع عليه في الآخرة عند المجازاة وقال بعضهم الظاهر التلاوة والباطن الفهم والحد أحكام الحلال والحرام والمطلع الإشراف على الوعد والوعيد.قلت يؤيد هذا ما أخرجه ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس قال إن القرآن ذو شجون وفنون وظهور وبطون لا تنقضي عجائبه ولا تبلغ غايته فمن أوغل فيه برفق نجا ومن أوغل فيه بعنف هوى أخبار وأمثال وحلال وحرام وناسخ ومنسوخ ومحكم ومتشابه وظهر وبطن فظهره التلاوة وبطنه التأويل فجالسوا به العلماء وجانبوا به السفهاء اهـ غير أن الوجه الأول الذي نقله السيوطي في معنى الظهر والبطن ليس بواضح وإذا التمسنا له بعض الاحتمالات تشابه أو اتحد بما بعده من الأقوال والقول الخامس متحد كذلك مع الثالث أو قريب منه فتأمل.

2.           شيخ هذه الطريقة وكتبها:

لم يكن في التفسير الإشارى شيخ ولا هو بالأمر الجديد فى إبراز معانى القرآن الكريم، بل هو أمر معروف من لدن نزوله على رسول الله صلى الله عليه وسلم .. أشار إليه القرآن، ونبَّه عليه الرسول عليه الصلاة والسلام، وعرفه الصحابة رضوان الله تعالى عليهم وقالوا به.

أما إشارة القرآن إليه، ففى قوله تعالى {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً}، وقوله فى الآية [24] من سورة محمد عليه السلام: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ} فهذه الآيات كلها تشير إلى أن القرآن له ظهر وبطن. وذلك لأنّ الله سبحانه وتعالى حيث ينعى على الكفار أنهم لا يكادون يفقهون حديثاً، ويحضهم على التدبر فى آيات القرآن الكريم لا يريد بذلك أنهم لا يفهمون نفس الكلام، أو حضهم على فهم ظاهره، لأن القوم عرب، والقرآن لم يخرج عن لغتهم فهم يفهمون ظاهره ولا شكّ. وإنما أراد بذلك أنهم لا يفهمون عن الله مراده من الخطاب، وحضَّهم على أن يتدبروا فى آياته حتى يقفوا على مقصود الله ومراده، وذلك هو الباطن الذى جهلوه ولم يصلوا إليه بعقولهم.[11]

وأما تنبيه الرسول صلى الله عليه وسلم، فذلك فى الحديث الذى أخرجه الفريابى من رواية الحسن مرسلاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لكل آية ظهر وبطن، ولكل حرف حد، ولكل حد مطلع"، وفى الحديث الذى أخرجه الديلمى من رواية عبد الرحمن بن عوف مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "القرآن تحت العرش، له ظهر وبطن يُحاج العباد".

ففى هذين الحديثين تصريح بأن القرآن له ظهر وبطن. ولكن ما هو الظهر وما هو البطن؟ اختلف العلماء فى بيان ذلك:

فقيل: ظاهرها - أى الآية - لفظها. وباطنها: تأويلها.

وقال أبو عبيدة: إن القَصص التى قصَّها الله تعالى عن الأُمم الماضية وما عاقبهم به ظاهرها الإخبار بهلاك الأوَّلين، وحديث حَدَّث به عن قوم، وباطنها وعظ الآخرين وتحذيرهم أن يفعلوا كفعلهم، فيحل بهم مثل ما حلَّ بهم .. ولكن هذا خاص بالقَصص، والحديث يعم كل آية من آيات القرآن.

وحكى ابن النقيب قولاً ثالثا: وهو أن ظهرها ما ظهر من معانيها لأهل العلم، وبطنها ما تضمنته من الأسرار التى أطلع الله عليها أهل الحقائق.

هذا هو أشهر ما قيل فى معنى الظهر والبطن .. وأما قوله فى الحديث الأول: "ولكل حرف حد"، فمعناه على ما قيل: لكل حرف حد، أى منتهى فيما أراد الله من معناه، أو لكل حكم مقدار من الثواب والعقاب. والأول أظهر، وقوله: "ولكل حد مطلع"، معناه على ما قيل أيضاً: لكل غامض من المعانى والأحكام مطلع يُتوصل به إلى معرفته ويوقف على المراد به. وقيل: كل ما يستحقه من الثواب والعقاب يطلع عليه فى الآخرة عند المجازاة، والأول أظهر أيضاً.

وأما الصحابة فقد نُقِل عنهم من الأخبار ما يدل على أنهم عرفوا التفسير الإشارى وقالوا به، أما الروايات الدالة على أنهم يعرفون ذلك فمنها:

ما أخرجه ابن أبى الحاتم من طريق الضحَّاك عن ابن عباس أنه قال: "إن القرآن ذو شجون وفنون، وظهور وبطون، لا تنقضى عجائبه، ولا تُبلغ غايته، فمَن أوغل فيه برفق نجا، ومَن أخبر فيه بعنف هوى، أخبار وأمثال، وحلال وحرام، وناسخ ومنسوخ، ومُحكم ومتشابه، وظهر وبطن، فظهره التلاوة، وبطنه التأويل، فجَالِسُوا به العلماء، وجَانِبُوا به السفهاء".

وروى عن أبى الدرداء أنه قال: "لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يجعل للقرآن وجوهاً".

وعن ابن مسعود أنه قال: "مَن أراد علم الأوَّلين والآخرين فليَثَوِّر القرآن". وهذا الذى قالوه لا يحصل بمجرد تفسير الظاهر.

ومن أهم كتب التفسير الإشاري تفسير النيسابوري وتفسير الألوسي وتفسير التستري.[12]

3.           منهج هذه الطريقة وأرئها:

ما الصوفية .. أهل الحقيقة وأصحاب الإشارة، فقد اعترفوا بظاهر القرآن ولم يجحدوه، كما اعترفوا بباطنه، ولكنهم حين فسَّروا المعانى الباطنة خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، فبينما تجد لهم أفهاماً مقبولة سائغة، تجد لهم بجوارها أفهاماً لا يمكن أن يقبلها العقل أو يرضى بها الشرع، ولهذا أرى أن أستعرض بعض ما للقوم من أفهام فى التفسير، ثم أحكم عليها حكماً مجرداً عن كل شئ إلا عن الحق والإنصاف، ثم بعد هذا أذكر شروط التفسير الإشارى، وهى الشروط التى إذا توافرت فيه جاز لنا قبوله والأخذ به، وإلا أسقطناه ورفضناه مهما كان لقائله من المكانة فى نفوسنا أو فى نفوس القوم.

إن القرآن له ظهر وبطن، وذكرنا لك أهم الأقوال فى معنى الظاهر والباطن، ومهما يكن من شىء فإن ظاهر القرآن - وهو المنزَّل بلسان عربى مبين - هو المفهوم العربى المجرَّد. وباطنه هو مراد الله تعالى وغرضه الذى يقصد إليه من وراء الألفاظ والتراكيب، هذا هو خير ما يقال فى معنى الظاهر والباطن.[13]

فما رواه البخارى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه قال: "كان عمر يُدخلنى مع أشياخ بدر، فكأن بعضهم وَجَدَ فى نفسه فقال: لِمَ تُدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنه مَن حيث علمتم، فدعاه ذات يوم فأدخله معهم، فما رأيت أنه دعانى يومئذ إلا ليريهم. قال: ما تقولون فى قوله تعالى: {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} .. فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئاً، فقال لى: أكذاك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا. قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له قال: {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} وذلك علامة أجلك، {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} .. فقال عمر: ما أعلم منها إلا مَا تقول".

فبعض الصحابة لهم يفهم من السورة أكثر من معناها الظاهر، أما ابن عباس وعمر، فقد فهما معنى آخر وراء الظاهر، هو المعنى الباطن الذى تدل عليه السورة بطريق الإشارة.

وأيضاً ما ورد من أنه لما نزل قوله تعالى فى الآية [3] من سورة المائدة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً} .. فرح الصحابة وبكى عمر رضى الله تعالى عنه وقال: ما بعد الكمال إلا النقص، مستشعراً نعيه عليه الصلاة والسلام، فقد أخرج ابن أبى شيبة: "أن عمر رضى الله تعالى عنه لما نزلت الآية بكى، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: "ما يبكيك"؟ قال: أبكانى أنَّا كنا فى زيادة من ديننا، فأما إذا كمل فإنه لم يكمل شئ قط إلا نقص، فقال عليه الصلاة والسلام: "صدقت".

فعمر رضى الله عنه أدرك المعنى الإشارى: وهو نعى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقرَّه النبى على فهمه هذا .. وأما باقى الصحابة، فقد فرحوا بنزول الآية، لأنهم لم يفهموا أكثر من المعنى الظاهر لها.

هذه الأدلة مجتمعة تعطينا أن القرآن الكريم له ظهر وبطن .. ظهر يفهمه كل مَن يعرف اللِّسان العربى .. وبطن يفهمه أصحاب الموهبة وأرباب البصائر. غير أن المعانى الباطنية للقرآن لا تقف عند الحد الذى تصل إليه مداركنا القاصرة، بل هى أمر فوق ما نظن وأعظم مما نتصور. ولقد فهم ابن مسعود أن فى فهم معانى القرآن مجالاً رحباً ومتسعاً بالغاً فقال: "مَن أراد علم الأوَّلين والآخرين فليُثَوِّر القرآن" وإلى هذا أشار الله تعالى بقوله: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ}، وقال: {مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَاكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ}.

وعلى ذلك نقول: إن كل ما كان من المعانى العربية التى لا ينبنى فهم القرآن إلا عليها داخل تحت الظاهر، فالمسائل البيانية، والمنازع البلاغية، لا معدل لها عن ظاهر القرآن، فإذا فهم الإنسان مثلاً الفرق بين "ضَيِّق" فى قوله تعالى فى الآية [125] من سورة الأنعام: {فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَآءِ} .. وبين "ضائق" فى قوله تعالى فى الآية [12] من سورة هود: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَآءَ مَعَهُ مَلَكٌ} .. وعرف أن "ضيِّق" صفة مشبهة دالة على الثبوت والدوام فى حق مَن يُرد الله أن يضله، وأن "ضائق" اسم فاعل يدل على الحدوث والتجدد وأنه أمر عارض له صلى الله عليه وسلم. إذا فهم الإنسان مثل هذا فقد حصل له فهم ظاهر القرآن.[14]

إذن فلا يُشترط فى فهم ظاهر القرآن زيادة على الجريان على اللِّسان العربى، وإذن كل معنى مستنبَط من القرآن غير جار على اللِّسان العربى فليس من تفسير القرآن فى شئ .. لا مما يُستفاد منه ولا مما يُستفاد به. ومَن ادَّعى فيه ذلك فهو مبطل فى دعواه.

أما المعنى الباطن، فلا يكفى فيه الجريان على اللِّسان العربى وحده. بل لا بد فيه مع ذلك من نور يقذفه الله تعالى فى قلب الإنسان يصير به نافذ البصر سليم التفكير، ومعنى هذا أن التفسير الباطن ليس أمراً خارجاً عن مدلول اللَّفظ القرآنى، ولهذا اشترطوا لصحة المعنى الباطن شرطين أساسيين:

أولهما: أن يصح على مقتضى الظاهر المقرر فى لسان العرب بحيث يجرى على المقاصد العربية.

وثانيهما: أن يكون له شاهد نصاً أو ظاهراً فى محل آخر يشهد لصحته من غير معارض.

أما الشرط الأول .. فظاهر من قاعدة كون القرآن عربياً، فإنه لو كان له فهم لا يقتضيه كلام العرب لم يوصف بكونه عربياً بإطلاق، ولأنه مفهوم يلصق بالقرآن وليس فى ألفاظه ولا فى معانيه ما يدل عليه، وما كان كذلك فلا يصح أن يُنسب إليه أصلاً، إذ ليست نسبته إليه على أنه مدلوله أولى من نسبة ضده إليه. ولا مرجح يدل على أحدهما، فإثبات أحدهما تَحَكُّمٌ وتَقَوُّلٌ على القرآن ظاهر، وعند ذلك يدخل قائله تحت إثم مَن قال فى كتاب الله بغير علم.

وأما الشرط الثانى: فلأنه إن لم يكن له شاهد فى محل آخر أو كان وله معارض صار من جملة الدعاوى التى تُدَّعى على القرآن، والدعوى المجرَّدة عن الدليل غير مقبولة باتفاق العلماء.

إذا توافر هذان الشرطان فى معنى من المعانى الباطنة قُبِل، لأنه معنى باطن صحيح، وإلا رُفِض رفضاً باتاً، لأنه معنى باطن فاسد وتَقَوُّلٌ على الله بالهوى والتشهى.

إذا عرفنا هذا كله ثم ذهبنا نستعرض على ضوئه أقوال القوم فى معانى القرآن الباطنة، وجدنا الكثير منها يمكن أن يكون من قبيل الباطن الصحيح، وكثير منها أيضاً هو من قبيل الباطن الفاسد المرفوض، وكبرى المشاكل أن بعضها منسوب إلى رجال من أهل العلم لهم مكانة علمية ودينية فى نفوسنا، بل وبعضها منسوب إلى رجال من الصحابة، وهم أعرف الناس بكتاب الله وما يحويه من المعانى والأسرار.

فمن الأفهام الباطنة المنقولة عنهم ويمكن أن تكون من قبيل الباطن الصحيح المقبول: ما جاء فى قوله تعالى فى الآية [22] من سورة البقرة: {فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} .. من قول سهل التسترى {فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً} أى أضداداً، فأكبر الأضداد: النفس الأمَّارة بالسوء، المتطلعة إلى حظوظها ومناها بغير هدى من الله".

فهذا القول من سهل يشير إلى أن النفس الأمَّارة داخلة تحت عموم الأنداد حتى لو فصَّل لكان المعنى: فلا تجعلوا لله أنداداً لا صنماً، ولا شيطاناً، ولا النفس، ولا كذا، ولا كذا .. وهذا مشكل من حيث الظاهر، لأن سياق الآية وما يحف بها من قرائن يدل على أن الأنداد مراد بها كل ما يعبد من دون الله، سواء أكان صنماً أم غير صنم، أما الأنفس فلم تكن معبودة لهم، ولم يُعرف أنهم اتخذوها أرباباً من دون الله، ومع هذا فيمكن أن يكون لهذا التفسير وجه صحيح، وبيان ذلك:

إن الناظر فى القرآن الكريم، قد يأخذ من معنى الآية معنى باب الاعتبار، فيُجرية فيما لم تنزل فيه الآية، لأنه يجامعه فى القصد أو يقاربه، وسهل التسترى - رحمه الله - حيث قال فى الآية ما قال، لم يرد أنه تفسير للآية، بل أتى بما هو ند فى الاعتبار الشرعى، وذلك لأن حقيقة الند: أنه المضاد لنده، الجارى على مناقضته، والنفس الأمَّارة هذا شأنها، لأنها تأمر صاحبها بمراعاة حظوظها، لاهية أو صادَّة عن مراعاة حقوق خالقها، وهذا هو الذى يعنى به الند بالنسبة لنده، لأن الأصنام نصبوها لهذا المعنى بعينه، وعلى هذا فلا غبار على قول سهل فى الآية، بل وهناك ما يشهد له من الجهتين - جهة حمل الأنداد على الأنفس الأمَّارة - اعتباراً، وجهة كون الخطاب - وإن كان موجهاً للمشركين - فيه لأهل الإسلام نظر واعتبار.[15]

أما ما يشهد له من الجهة الأولى: فقوله تعالى فى الآية [31] من سورة التوبة: {اتَّخَذُو?اْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ} .. وظاهر أنهم لم يعبدوهم من دون الله، ولكنهم ائتمروا بأوامرهم، وانتهوا عما نهوهم عنه كيف كان، فما حرَّموا عليهم حرَّموه، وما أباحوا لهم حلَّلوه، وفاتهم أن المحلِّل والمحرِّم هو الله، فقال الله سبحانه: {اتَّخَذُو?اْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ}. وهذا بعينه هو شأن المتبع لهوى نفسه.

وأما ما يشهد له من الجهة الثانية، فهو أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال لبعض مَن توسَّع فى الدنيا من أهل الإيمان: أين تذهب بكم هذه الآية: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِى حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا}؟ وكان هو يعتبر نفسه بها، مع أن الآية نزلت فى حق الكفار لقوله تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوْا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ} .. الآية، فعمر رضى الله عنه، له فى الآية، فعمر رضى الله عنه، له فى الآية نظر واعتبار، فأخذ من معناها معنى أجرى الآية فيه وإن لم تنزل فيه، حذراً منه وخوفاً أن يكون التوسع فى المباحات سبباً فى الحرمان من نعيم الآخرة ومتاعها، فإذا صح لعمر رضى الله عنه أن يُنزل الآية على المتوسعين فى المباحات من المؤمنين ولم تنزل فيهم، صحَّ لسهل أيضاً أن يُنزل الآية على النفس الأمَّارة وإن لم تنزل فيها كذلك.

شروط قبول التفسير الإشاري: مما تقدم يعلم أن التفسير الإشاري لا يكون مقبولا إلا بشروط خمسة وهي:[16]

ألا يتنافى وما يظهر من معنى النظم الكريم.

ألا يدعى أنه المراد وحده دون الظاهر.

ألا يكون تأويلا بعيدا سخيفا كتفسير بعضهم قوله تعالى: {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} بجعل كلمة {لَمَعَ} ماضيا وكلمة {الْمُحْسِنِينَ} مفعوله.

ألا يكون له معارض شرعي أو عقلي.

أن يكون له شاهد شرعي يؤيده.

كذلك اشترطوا بيد أن هذه الشروط متداخلة فيمكن الاستغناء بالأول عن الثالث وبالخامس عن الرابع ويحسن ملاحظة شرطين بدلهما أحدهما بيان المعنى الموضوع له اللفظ الكريم أولا ثانيهما ألا يكون من وراء هذا التفسير الإشاري تشويش على المفسر له وسيأتيك في نصيحتي وفي كلام الغزالي ما يقرر هذين الشرطين.

ثم إن هذه شروط لقبوله بمعنى عدم رفضه فحسب وليست شروطا لوجوب اتباعه والأخذ به ذلك لأنه لا يتنافى وظاهر القرآن ثم إن له شاهدا يعضده من الشرع وكل ما كان كذلك لا يرفض وإنما لم يجب الأخذ به لأن النظم الكريم لم يوضع للدلالة عليه بل هو من قبيل الإلهامات التي تلوح لأصحابها غير منضبطة بلغة ولا مقيدة بقوانين.[17]

ج‌.       التفسير الصوفي الحرفي

1.           التعريف بالتفسير :

التفسير الصوفي الحرفي : وهو استعمال الحروف وأسرارها التي هي من وحي الشياطين في تفسير كتاب الله تعالى ، وتفسير ابن برجان من هذا النوع .[18]

2.           شيخ هذه الطريقة وكتبها:

الأول من تفسير القرآن العظيم للشيخ الإمام العارف الرباني أبي الحكم عبدالسلام بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن اللخمي عن السليمانية بتركيا تفسيره المسمى "الإرشاد"

{ إياك نعبد }  وهي كلمة مركبة من أربعة أحرف هن حروف المعرفة الهمزة والباء والألف والكاف والهمزة صادرة من ذات المخاطب إلى الكاف التي هي لمواجهة المخاطب والياء والألف سبيل إلى ذلك وعماد له أشار بها السر المخاطب بالاخلاص للعبادة على حكم التوحيد المحض ..الخ .

ويقول : { الم } (6)ثلاثة حروف مرسومة ظاهرة وأربعة رءوس وستة توالي دخلت لضرورة النطق بالرءوس المرسومة الرءوس ولما كانت الهمزة إنما دخلت لضرورة النطق بالألف لحقت بالتوالي إذا سبعة والمرسومة ثلاثة فهي عشرة كانت هذه التوالي ………إلى أن قال :

فصل فالهمزة يعطي معناها هاهنا كلما ما أفهمته من معنى وما أعلمته من معلوم وكذلك الألف وكذلك اللام إذ هي أوائل المعاني في كل ما دخلت عليه كل صحيح معتبر ……..الخ

فذكر في الحروف حوالي خمس صفحات :

قال فيها : وعلى هذا السبيل تأولها حبر العرب عبد الله بن عباس- رضي الله عنه - حيث قال : { الم } أنا الله أعلم ، { الر }  أنا الله أعلم وأرى . ولإمعانه في العلم بالحروف لما سئل عن تفسير قوله جل وعز { كهيعص } (3) قال : لو أخبرتكم بتفسيرها لكفرتموني وفي أخرى لكفرتم أي بتكذيبكم الحق .

وقال : وأما دلالة الميم المتأخرة الموجودة في حرف لام وحرف الميم فنقول هو الله لا إله إلاهو الحليم الحكيم ….الماضي والمضاء والمتمادي والأمر النافذ والتدبير المبرم هكذا ويدخل في الاعتبار والأحكام والقصص ….الخ

ورجع للحروف مرة أخرى بعد أن تكلم عن نزول القرآن على سبعة أحرف .[19]

 

 


 

الخاتمة

1.   نتائج البحث

والحاصل:

أ‌.        التفسير الصوفي النظري : وهو مابني على مباحث نظرية وتعاليم فلسفية وهو يقوم على مذهب وحدة الوجود .

ب‌.   التفسير الصوفي الفيضي أو الإشاري : وهو تأويل لآيات القرآن على خلاف الظاهر بمقتضى إشارات خفية تظهر لمن يطلق عليهم أرباب السلوك ، ويفترض فيه إمكانية التطبيق بينه وبين الظواهر المرادة .

ت‌.   وهو التفسير الصوفي الحرفي : وهو استعمال الحروف وأسرارها التي هي من وحي الشياطين في تفسير كتاب الله تعالى ،

 

2.   اقتراحات البحث

وهذا الرسالة التي قد تحصر جدا ولم نبين مسائل منهج المفسرين في عهد الرسول صلعم و صحابة الدقيقة. وينبغي لطلاب التي ستكتب الرسالة بعدي ان ينفصل و يفرق منهج المفسرين حت تبين فرقه. فاللهم اهدنا بهذا واجعل هذا حجة لنا واجعلنا بهذا اهل العلم ولاستاذنا دكتور دلهاري ولمن قرأه وحفظه وعمل به .. يا ربنا إنك للدعاء سميع مجيب ، وصلى الله على نبينا وحبيبنا محمد عليه أفضل الصلاة والحمد لله رب العالمين .


 

استنباط الرسالة

التفسير والمفسرون- الدكتور محمد حسين الذهبى– المكتبة الشاملة .

مباحث في علوم القرآن -  مناع القطان - مكتبة المعارف للنشر والتوزيع - الطبعة الثالثة 1421هـ

مجموعة البحث- رسالة عن مناهج المفسرين- المكتبة الشاملة

مناع القطان - مباحث في علوم القرآن - مكتبة المعارف للنشر والتوزيع - الطبعة الثالثة 1421هـ - 2000م

محمد عبد العظيم الزرقاني - مناهل العرفان في علوم القرآن- مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه  

 

 

 



[1] د. محمد حسين الذهبى- التفسير والمفسرون - المكتبة الشاملة (4/ 300)

[2] مجموعة البحث- رسالة عن مناهج المفسرين- المكتبة الشاملة (2/ 2)

[3] مناع القطان - مباحث في علوم القرآن - مكتبة المعارف للنشر والتوزيع - الطبعة الثالثة 1421هـ - 2000م (ص: 366)

[4] د. محمد حسين الذهبى- التفسير والمفسرون - المكتبة الشاملة (4/ 300)

[5] د. محمد حسين الذهبى- التفسير والمفسرون - المكتبة الشاملة  (4/ 306)

[6] د. محمد حسين الذهبى- التفسير والمفسرون - المكتبة الشاملة (4/ 300)

[7] د. محمد حسين الذهبى- التفسير والمفسرون - المكتبة الشاملة (4/ 300)

[8] مجموعة البحث- رسالة عن مناهج المفسرين- المكتبة الشاملة (2/ 2)

[9] محمد عبد العظيم الزرقاني - مناهل العرفان في علوم القرآن- مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه  (2/ 78)

[10] محمد عبد العظيم الزرقاني - مناهل العرفان في علوم القرآن- مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه   (2/ 79)

[11] محمد عبد العظيم الزرقاني - مناهل العرفان في علوم القرآن- مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه  (2/ 78)

[12] محمد عبد العظيم الزرقاني - مناهل العرفان في علوم القرآن- مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه  (2/ 78)

[13] د. محمد حسين الذهبى- التفسير والمفسرون - المكتبة الشاملة (4/ 300)

[14] د. محمد حسين الذهبى- التفسير والمفسرون - المكتبة الشاملة (4/ 300)

[15] د. محمد حسين الذهبى- التفسير والمفسرون - المكتبة الشاملة (4/ 300)

[16] محمد عبد العظيم الزرقاني - مناهل العرفان في علوم القرآن- مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه  (2/ 78)

[17] محمد عبد العظيم الزرقاني - مناهل العرفان في علوم القرآن- مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه (2/ 81)

[18] مجموعة البحث- رسالة عن مناهج المفسرين- المكتبة الشاملة (2/ 2)

[19] مجموعة البحث- رسالة عن مناهج المفسرين- المكتبة الشاملة (2/ 9)

0 komentar:

Posting Komentar

Contact

Contact Person

Untuk saling berbagi dan sharing, mari silaturrahmi!

Address:

Mojo-Kediri-Jawa Timur (64162)

Work Time:

24 Hours

Phone:

085735320773

Diberdayakan oleh Blogger.